محمد الطاهر بن عاشور
عالم تونسي من أبرز مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، ساهم في إصلاح مناهج التعليم في جامع الزيتونة، عرف بالشدة في الحق والجراءة على السلطان، وأثر عنه قوله الشهير: “صدق الله وكذب بورقيبة“.
المولد والنشأة
ولد محمد الطاهر بن عاشور في سبتمبر/أيلول 1879 في ضاحية المرسى بالعاصمة تونس قبل عامين من دخول المستعمر الفرنسي، ونشأ في أسرة علمية وسياسية عريقة تمتد أصولها إلى بلاد الأندلس، تقلد أبناؤها مناصب هامة في القضاء والإفتاء والتدريس. وقد حفظ القرآن وتعلم قواعد اللغة العربية ومداخل أصول الدين في سن مبكرة جدا.
الدراسة والتكوين
حفظ القرآن في السادسة وأخذ العلم من أعيان علماء تونس وشيوخ جامع الزيتونة الذي التحق به عام 1893 ودرس فيه علوم القرآن والقراءات والحديث والفقه المالكي وأصوله والفرائض والسيرة والتاريخ والنحو واللغة والأدب والبلاغة وعلم المنطق. كما تعلم الفرنسية على يد أستاذه الخاص أحمد بن وناس المحمودي.
ومن أشهر شيوخه الشيخ محمد النجار، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمد النخلي والشيخ محمد بن يوسف، والشيخ عمر بن عاشور والشيخ صالح الشريف.
الوظائف والمسؤوليات
عين ابن عاشور في البداية مدرسا من الدرجة الأولى بجامع الزيتونة والصادقية، وكانت لتجربته المبكرة في التدريس في جامع الزيتونة ذي المنهج التقليدي والمدرسة الصادقية ذات التعليم العصري، دور كبير في وعيه بضرورة ردم الهوة بين الأصالة والمعاصرة والشروع في التخطيط لإصلاح التعليم في تونس.
أصبح نائبا أول لدى المجلس العلمي في الزيتونة 1907 ثم التحق بسلك القضاء عام 1911 عضوا بالمحكمة العقارية، ثم أصبح مفتيا مالكيا 1923 فكبير المفتين عام 1924.
اختير ابن عاشور في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة عام 1910 وكذلك في لجنة الإصلاح الثانية عام 1924، وعُيّن شيخا لجامع الزيتونة لكنه سرعان ما استقال بسبب اعتراض بعض الشيوخ على إصلاحاته للتعليم.
تم تعيينه في منصب شيخ الإسلام للمذهب المالكي سنة 1932، وأعيد تعيينه 1945 شيخا لجامع الزيتونة، وفي هذه المرة أدخل إصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني.
عين بعد الاستقلال 1956 شيخا عميدا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين حتى عام 1960 حيث أحيل على التقاعد بسبب موقفه الرافض تجاه الحملة التي شنها بورقيبة يومئذ ضد فريضة الصيام في رمضان.
المسار العلمي
عرف الشيخ الطاهر برغبته الكبيرة في إصلاح التعليم وتجديد مناهجه ومحاربة الجمود والتخلف والانحلال الأخلاقي والحضاري، ومقاومة الاستعمار.
وقد اعتبر أن تخلي المسلمين عن الاجتهاد أصابهم ويصيبهم بالتكاسل وتعطيل إعمال العقل لإيجاد الحلول للقضايا التي تجد في حياتهم.
ساءت علاقته مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بسبب رفضه القاطع إصدار فتوى في الإذاعة تبيح الفطر في رمضان الذي حلّ في فصل الصيف، فأٌحيل على التقاعد بعد مقولته الشهيرة “صدق الله وكذب بورقيبة”.
المؤلفات
ألف الطاهر بن عاشور مؤلفات مهمة ونوعية في اللغة العربية وآدابها والفكر الإسلامي والعلوم الدينية كشفت عن مدى تمكنه العلمي وأفقه التجديدي، فألف في التفسير “التحرير والتنوير” وهو من أهم المراجع المتخصصة في فهم وتفسير القرآن.
وألف في أصول الفقه كتاب “مقاصد الشَّريعة الإسلامية” الذي جمع بين وضوح الفكر ودقة في التعبير وسلامة المنهج وروح التجديد، كما مهد في كتابه “أليس الصبح بقريب؟” لمشروعه الإصلاحي للتعليم بحديثه عن نشأة التعليمِ العربي وأطواره قبل الإسلام وبعده.
من مؤلفاته أيضا “الوقف وآثاره في الإسلام”، “التوضيح والتصحيح في أصول الفقه” و”أصول التقدم في الإسلام”، “حاشية التنقيح للقرافي” و”أصول العلم الاجتماعي في الإسلام”، “نقد علمي لكتاب أصول الحكم”، و”كشف المغطى في أحاديث الموطأ”، و”موجز البلاغة”.
بالإضافة إلى مؤلفات تركها مخطوطة، وقد اتّسمت كتاباته بعمق التّحليل والمعالجة العلميّة وبلاغة الأسلوب.
الجوائز والأوسمة
كان أول من حصل على جائزة الدولة التقديريّة، ونال وسام الاستحقاق الثَّقافي عام 1968.
الوفاة
توفي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور يوم 12 أغسطس/آب 1973 عن سن تناهز 94 عاما في مدينة المرسى في العاصمة تونس.
Hi, this is a comment.
To get started with moderating, editing, and deleting comments, please visit the Comments screen in the dashboard.