أولًا: قتال أهل البغي
تعريف البغاة: هم قوم لهم شوكة خرجوا عن طاعة الإمام الحق فيما وجب عليهم ولهم تأويل سائغ([1]).
فالبغاة قوم خرجوا على الإمام الحق بهدف السيطرة على الحكم، ولهم تأويل في الخروج عليه، وقد مثَّل لهم العلماء بالذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أهل الجمل وصفين؛ إذ زعموا أنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم، ولا يقتص منهم لمواطأته لهم([2]).
والأصل في قتال البغاة: قوله تعالى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]، فقد أمر الله عز وجل المسلمين إن حصل قتال بين طائفتين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، فإن خرجت طائفة من الناس على الإمام فلا يجوز له قتالهم مباشرة، حتى يدعوهم ويسمع منهم شبهتهم، ويحاورهم فيها، فإن امتنعوا عن قبول الرجوع إلى الطاعة، عند ذلك يحق قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله عز وجل وتنزل عند حكمه.
حكم قتال البغاة:
إن خرج قوم على الإمام وكانت لهم قوة ومنعة، وامتنعوا عن طاعته، فهنا يبعث إليهم أولًا من يسألهم عن الشبهة التي خرجوا بسببها، جاء في المنهاج للإمام النووي: “ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطينا ناصحا يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها فإن أصروا نصحهم ثم آذنهم بالقتال”([3]).
أما حكم قتالهم، فواجب على المسلمين؛ لما في ترك قتالهم من الفتنة وتمزيق الصف، وهتك الحرمات واستباحة الدماء، جاء في أحكام القرآن: “ولم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره؛ ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج، ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنها لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم”([4]).
ولكن وجوب قتالهم ليس عينيًا على كل أحد، وإنما هو واجب على الكفاية، إن قام به البعض وبلغت بهم الكفاية سقط الإثم عن الباقين، جاء في تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ﴾ [الحجرات: 9]: “أمرٌ بالقتال، وهو فرضٌ على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات؛ كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن سلمة، وغيرهم، وصوَّب ذلك علي بن أبي طالب لهم، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قَبِلَه منه([5]).
هل قتال أهل البغي جهادٌ في سبيل الله؟
عندما عرف الفقهاء الجهاد _كما مر معنا_ ذكروا في تعريفه أنه: قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، فحصروا الجهاد بقتال الكفار، وأما البغاة فهم مسلمون، وقد صرح بعض العلماء بأن قتال البغاة لا يعد من الجهاد، جاء في كشاف القناع في تعريف الجهاد: “(قتال الكفَّار) خاصة، بخلاف المسلمين من البُغاةِ وقطَّاع الطريق، وغيرهم”([6]).
ولكني وجدت بعض العلماء قد صرح بخلاف ذلك، فجعل قتال البغاة من الجهاد في سبيل الله، فقد جاء في الفروع عند كلامه عن الذي يستحل الدم بتأويل، أنه يسقط بتوبته حق العبد، قال “واحتج بما أتلفه البغاة؛ لأنه من الجهاد الذي يجب فيه الأجر على الله، ولا حد مع تأويل”([7]).
وكذلك صاحب كتاب سبل السلام صرح بأن قتال البغاة من الجهاد، فقال في تعريف الجهاد: بذل الجهد في قتال الكفار أو البغاة([8]).
فبناء على تعريف الفقهاء للجهاد، ينبغي ألا نُدخل قتال البغاة ضمن الجهاد في سبيل الله؛ لأن الجهاد الشرعي يكون في قتال الكفار، وأما تصريح بعض العلماء بأن قتال البغاة جهاد، فربما من باب أن قتالهم يهدف إلى الحفاظ على الدولة الإسلامية من التشتت والضعف، وبالتالي تصبح لقمة سائغة للدول الكافرة، فكأنهم جعلوا الحفاظ على كون كلمة الله هي العليا، بمثابة السعي لإعلائها في قتال الكفار.
هل الذي قتله البغاة يعدّ من الشهداء؟
ذكر الدكتور محمد خير هيكل أن من قتله البغاة من أهل العدل لا يعد من الشهداء؛ لأن الشهيد هو من قُتل في قتال الكفار، إلا أنه أشار إلى وجود آراء باعتباره شهيدًا([9]).
ولكن عند الرجوع إلى أقوال الفقهاء تبين أن الحنفية والحنابلة والمالكية ورواية عند الشافعية جعلوا من قتله أهل البغي شهيدًا، وإن اختلفت الرواية عن الحنابلة بشأن تغسيلهم والصلاة عليهم، وإليك أقوال الفقهاء في ذلك:
أما مذهب الحنفية، فقد جاء في بدائع الصنائع: “وأما بيان ما يصنع بقتلى الطائفتين؛ فنقول وبالله تعالى التوفيق: أما قتلى أهل العدل؛ فيصنع بهم ما يصنع بسائر الشهداء: لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، ولا ينزع عنهم إلا ما لا يصلح كفنًا، ويصلى عليهم؛ لأنهم شهداء؛ لكونهم مقتولين ظلمًا([10]).
والمعروف أن الشهيد عند الحنفية لا يغسل ولكن يصلى عليه، فأعطوا المقتول من قبل أهل البغي حكم الشهيد.
وأما المالكية، فقد جاء في فتح العلي المالك: “والمراد بشهيد الحرب: المؤمن المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتل، لإعلاء كلمة الله تعالى، بدون مقارفة سببٍ مُؤْثِم، ومثله كل مقتول على الحق؛ كالمجروح في قتال البغاة وقطاع الطريق”([11]).
وأما الشافعية، فالأصح أن من قتله البغاة فليس بشهيد، وبالتالي يغسل ويصلى عليه، جاء في منهاج الطالبين: “ولا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه، وهو من مات في قتال الكفار بسببه، فإن مات بعد انقضائه، أو في قتال البغاة، فغير شهيد في الأظهر”([12])، وجاء المجموع: “إذا قتلت البغاة رجلًا من أهل العدل، فالأصح عندنا أنه يجب غسله والصلاة عليه”([13]).
والرواية الثانية التي تقابل الأصح: أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، جاء في نهاية المطلب: “ومن يقتله البغاة من أهل العدل فهل يغسل ويصلى عليه؟ فعلى قولين؛ أحدهما: أنه شهيد؛ فإنه قتيلُ فئةٍ مُبطلة في القتال، والثاني: ليس بشهيد؛ فإنه ليسَ قتيلَ مشرك”([14]).
وأما الحنابلة، فقد جاء في المغني: “وإن قُتل العادل، كان شهيدًا؛ لأنه قُتل في قتالٍ أمَرَ الله تعالى به بقوله: ﴿فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي﴾ [الحجرات: 9]، وهل يغسل ويصلى عليه؟ فيه روايتان؛ إحداهما: لا يغسل ولا يصلى عليه؛ لأنه شهيد معركةٍ أُمر بالقتال فيها، فأشبه شهيد معركة الكفار. والثانية: يغسل، ويصلى عليه، وهو قول الأوزاعي، وابن المنذر([15]).
فالخلاصة: أن المذاهب الثلاثة ورواية عند الشافعية يقولون بأن المقتول من أهل العدل بسيف البغاة يعتبر من الشهداء، وإنما اختلفت الرواية عند الحنابلة بشأن تغسيله والصلاة عليه. وذهب الشافعية في الأصح إلى أنه ليس بشهيد.
ثانيًا: حد الحرابة (قتال قطاع الطريق)
قطع الطريق سماه الفقهاء بالحرابة، وقد أُطلق عليه هذا الاسم لأن القرآن سماهم محاربين، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ﴾ [المائدة: 33] الآية. وأحكام حد الحرابة ذكرها الفقهاء ضمن الحدود، فمن هم المحاربون؟
تعريف قطاع الطريق:
عرفهم الشافعي بأنهم: القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق([16]).
فقاطع الطريق هم طائفة من الناس؛ سواء من المسلمين أو أهل الذمة، خرجوا معتمدين على ما لديهم من قوة وسلاح، بقصد السلب والنهب، أو بقصد القتل وإرهاب الناس وإثارة الرعب، ويكونون عادة خارج المدن، من الجبال والصحاري ونحوها، حيث لا نجدة ولا غوث يأتي قريبًا([17]).
ولكن يشترط في قطاع الطريق حتى تجري عليهم أحكام الحرابة شروط، منها:
- أن يكون لديهم قوة ومنَعَة، على وجه يمتنع المارة عن المرور، وأما الذين لا يعتمدون على القوة، ولكن ينتهبون ويختلسون ويهربون، معتمدين على ركض الخيل، أو العَدْو على الأقدام؛ فلا يأخذون حكم قطاع الطريق.
- أن يقوموا بقطع الطريق والاعتداء على الناس، وأن يحصل الاعتداء بقوة السلاح عند الحنابلة، ولو بعصا؛ لأن من لا سلاح له لا منعّة له، ولم يشترط الحنفية أن يحصل الاعتداء بالسلاح([18]).
- أن يأخذ المال مجاهرة وقهراً، فإن أخذه مختفياً فهو سارق.
- أن يكون قطع الطريق في خارج حدود المصر، فإن كان داخل المصر فلا تطبق عليه أحكام قاطع الطريق عند أبي حنيفة ومحمد، وذهب أبو يوسف ومالك إلى عدم التفريق بين أن يحصل قطع الطريق في المصر أو خارجه، والشافعية اعتبروا البُعد عن الغوث، فإن حصل قطع الطريق في المصر؛ وكان لا يلحق بالمقصودين غوث إن استغاثوا؛ بسبب ضعف السلطان، أو لغلبة الفساق، فهم قطاع الطريق، وإن كان يلحقهم الغوث، فالخارجون منتهبون وليسوا بقطاع.
وإنما اشترط أبو حنيفة ومحمد أن يكون قطع الطريق خارج المصر؛ لأن قطع الطريق لا يحصل دون انقطاع، والطريق لا ينقطع في الأمصار وفيما بين القرى؛ لأن المارة لا تمتنع عن المرور عادة، فلم يوجد السبب، وقيل: إنما أجاب أبو حنيفة عليه الرحمة على ما شاهده في زمانه؛ لأن أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح، فالقُطَّاع ما كانوا يتمكنون من مغالبتهم في المصر، والآن ترك الناس هذه العادة؛ فتمكنهم المغالبة فيجري عليهم الحد([19]).
ولا يشترط العدد حتى تجري عليهم أحكام الحرابة، بل حتى لو كان قاطع الطريق واحدًا وكان لديه من القوة ما يمنع الناس من المرور، فيعد قاطع طريق وتجري عليه الأحكام.
حكم قتال قطاع الطريق:
ذكر الله عز وجل أحكام قتال المحاربين، فقال: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٌ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]، فالآية بينت عقوبة قطاع الطريق، ولكن اختلف العلماء في تطبيق الأحكام الواردة في هذه الآية؛ لأنها ذكرت عقوبات مختلفة، فهل يختار الإمام إحدى هذه العقوبات، أو أن هذه الأحكام تطبق عليهم بحسب أفعالهم التي ارتكبوها؟ للعلماء في ذلك أقوال:
القول الأول:
مذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة): ذهبوا إلى أن عقوبة قطاع الطريق مرتبة على حسب أفعالهم: فمن أخاف ولم يأخذ مالًا ولا قتل نفسًا: فإنه ينفى من الأرض، ومن أخذ المال ولم يقتل: قطعت يده ورجله من خلاف، ومن قتل ولم يأخذ المال: قُتل، ومن أخذ المال وقَتل: فعند الشافعية والحنابلة والصاحبين: يقُتل ويُصلب، وعند أبي حنيفة: الإمام بالخيار؛ إن شاء قطع يده ورجله ثم قتله أو صلبه، وإن شاء قتله ولم يقطعه([20]).
القول الثاني:
مذهب المالكية: فإنهم نظروا إلى درجة خطورة المحاربين وإخافتهم للسبيل، بغض النظر عما إذا قاموا بالقتل وأخذ المال أو لم يقوموا بذلك؛ فمن أخاف السبيل منهم ولم يقتل، سواء أخذ المال بعد ذلك أو لم يأخذ: فالإمام مخير فيهم بين القتل وبين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإن أخافوا السبيل وقتلوا وأخذوا المال: صُلبوا أحياءً ثم قتلوا. وفي الحالين لا يجمع عليهم الإمام مع القتل قطع ولا ضرب، وإن اختار القطع فلا يجمع عليهم معه الضرب. أما إن لم يحدث منهم إخافة للسبيل؛ بأن خرجوا بعصا فأُخِذوا فور خروجهم قبل إحداث أي ضرر بالناس؛ فإنهم يُضربون وينفون، ويُسجنون في الموضع الذي نفوا إليه([21]).
هل قتال قطاع الطريق من الجهاد؟
كان ينبغي أن يكون حكم قتال قطاع الطريق مثل ما مر معنا من حكم قتال البغاة، من أن قتالهم لا يكون من الجهاد الشرعي، وذلك بناء على تعريف الجهاد بأنه ينحصر في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وقد نقلنا عن كشاف القناع تصريحه بذلك، فقال عند تعريف الجهاد: “(قتال الكفَّار) خاصة، بخلاف المسلمين من البُغاةِ وقطَّاع الطريق، وغيرهم”([22]). فجعل كل قتال يقع بين المسلمين لا ينطبق عليه مسمى الجهاد بالمفهوم الشرعي.
ولكن في قتال قطاع الطريق يصرح فقهاء المالكية بأن قتالهم من الجهاد، بل جعله بعضهم أفضل الجهاد، جاء في البيان والتحصيل: “جهاد المحاربين عند مالك وجميع أصحابه جهاد، قال أشهب عنه: من أفضل الجهاد وأعظمه أجرًا، وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق: إن جهادهم أحب إلي من جهاد الروم”([23]).
وهذا الكلام يناقض ما ذكروه في تعريف الجهاد، لم أهتدِ إلى معرفة التوفيق بينهما، ولعل ما رآه الدكتور محمد خير هيكل من التفصيل _الذي سأنقله عنه_ وإن لم يقصد به التوفيق بين ما ذكروه في تعريف الجهاد وبين هذا الذي صرحوا به، أقول: لعل رأيه هذا يجعل التوفيق مقبولًا نوعًا ما.
يقول الدكتور هيكل: “والذي يظهر لي: أن المحاربين إذا كانوا مرتدين، ففي هذه الحال ينطبق على قتالهم تعريف الجهاد بأنه: قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، فيكون قتالهم من الجهاد في سبيل الله. وأما إذا كانوا من المسلمين، فلا ينطبق على قتالهم تعريف الجهاد. وأما إذا كان المحاربون أهل ذمة من رعية الدولة؛ فإن اشترط عليهم حين عقد الذمة بأن قيامهم بمثل هذه الأعمال الإرهابية يعتبر نقضًا للذمة، فقتالهم في هذه الحال هو قتالٌ لكفارٍ ليس لهم عهد ولا ذمة، فيكون جهادًا في سبيل الله. وأما إذا لم يشترط عليهم ذلك، فيكون قتالهم حينئذ قتالًا لطائفة لها ذمة، من أجل التمكن منهم لإقامة حد الحرابة عليهم، وذلك كقتال المحاربين من المسلمين من أجل الوصول إلى تطبيق الحدود الشرعية عليهم، وفي هذه الحال لا يعتبر قتالهم من قبيل الجهاد في سبيل الله، وهؤلاء لهم ذمة، وقد نص الفقهاء على أن الذميين في موضوع “الحرابة” “قطع الطريق” يعاملون كالمسلمين من حيث الأحكام”([24]).
فقد فرق بين المحاربين إذا كانوا من المسلمين أو من أهل الذمة الذين لم يشترط عليهم عند عقد الذمة أن قيامهم بمثل هذه الأعمال نقض للذمة، وبين ما إذا كان المحاربون أهل ذمة اشترط عليهم بأن قيامهم بمثل هذه الأعمال ناقض للذمة، فالأولون لا يكون قتالهم من الجهاد، بينما القسم الثاني قتالهم من الجهاد في سبيل الله؛ لأنه قتال قوم كفار ليس لهم عهد.
المصادر:
[1] انظر: ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، فتح القدير على الهداية، مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى، 1389ه، 1970م، (6/100). الحطاب، محمد بن محمد، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412ه، 1992م، (6/278). الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، دار الفكر، بيروت، (2/547). والبهوتي، منصور بن يونس، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، دار ركائز، الكويت، الطبعة الأولى، 1438ه، (3/417).
[2] انظر: هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، (1/64).
[3] النووي، يحيى بن شرف، منهاج الطالبين وعمدة المفتين، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1425ه، 2005م، (291).
[4] الجصاص، أحكام القرآن، (5/281).
[5] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (16/319).
[6] البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن الإقناع، وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1429ه، (7/5).
[7] ابن مفلح، محمد بن مفلح، الفروع، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1424ه، 2003م، (10/175).
[8] الصنعاني، محمد بن إسماعيل، سبل السلام، دار الحديث، (2/459).
[9] هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، (1/67).
[10] الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406ه، 1986م، (7/142).
[11] عُلَّيش، محمد بن أحمد، دار المعرفة، (1/19).
[12] النووي، منهاج الطالبين وعمدة المفتين، (60).
[13] النووي، يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، 1431ه، (5/267).
[14] الجويني، نهاية المطلب في دراية المذهب، (3/34_35).
[15] ابن قدامة، المغني، (12/250).
[16] الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، دار المعرفة، بيروت، 1410ه، 1990م، (6/164).
[17] انظر: هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، (1/73).
[18] انظر: الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (7/92). الرافعي، عبد الكريم بن محمد، العزيز شرح الوجيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417ه، 1997م، (11،251). ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن محمد، الكافي في فقه الإمام أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414هـ 1994م، (4/68).
[19] انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، (7/92). مالك بن أنس، المدونة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415ه، 1994م، (4/555). الشافعي، الأم (6/164).
[20] انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، (7/90).
[21] القرافي، أحمد بن إدريس، الذخيرة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، (12/126).
[22] البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن الإقناع، وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1429ه، (7/5).
[23] ابن رشد، محمد بن أحمد، البيان والتحصيل، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1408ه، 1988م، (16/417).
[24] هيكل، الجهاد والقتال، (1/74_75).