الجهاد ليس له حكم واحد، وإنما يأخذ حكمه بحسب نوعه، فقد يكون الجهاد فرض عين، وقد يأخذ حكم فرض الكفاية، وقد يكون ممنوعًا إذا كانت المفسدة الناشئة عن القيام به أكثر من المصلحة التي يجلبها، وإن معرفة حكم الجهاد يتطلب أولًا معرفة أنواعه؛ لأن كل نوع له حكم يخصه.
المطلب الأول: أنواع الجهاد
الجهاد نوعان: جهاد الدفع، وجهاد الطلب.
أولًا: جهاد الدفع: (الحرب الدفاعية)
تعريفه: وهو القتال لرد العدوان المباشر أو غير المباشر الواقع على المسلمين أو على أموالهم أو بلادهم، سواء كان العدوان قد وقع في زمن مضى، أو واقعًا في الزمن الحاضر، أو متوقعًا في الزمن المستقبل، وهو ما يسمى بالدفاع الهجومي([1]).
فهو القتال لردّ عدوان الكفار على المسلمين، إذا دخلوا ديار المسلمين واعتدوا على حرماتهم، وأخذوا أموالهم وديارهم، كما هو واقع كثير من بلاد المسلمين اليوم، ومن ذلك: احتلال اليهود لفلسطين، ومن قبل ذلك احتلال الإسبان والبرتغاليين للأندلس، التي كانت بلادًا تابعة للدولة الإسلامية، فقتال هؤلاء يدخل ضمن ما يسميه الفقهاء: جهاد الدفع، أو الحرب الدفاعية.
حكم جهاد الدفع:
اتفق الفقهاء على أن قتال الكفار المعتدين على الدولة الإسلامية فرض عين، قال تعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
ولكن هل يكون فرض عين على كل المسلمين مهما بعدت ديارهم عن البلد المحتل؟ أم يجب على القريب منها، ثم الأقرب فالأقرب حسب الحاجة؟ فصّل الفقهاء في هذه المسألة على النحو التالي: فأما أهل الناحية التي هجم عليها العدو، فهو فرض عين على كل قادر على القتال، فإن لم تحصل الكفاية بهم فيجب على من يليهم، وهكذا إلى أن تعم المسلمين جميعًا شرقًا وغربًا، إن لم تحصل الكفاية إلا بهم([2]).
وعند الشافعية تفصيل دقيق في هذه المسألة؛ فذكروا أن العدو إن هجم على ناحية؛ فإن حصلت الكفاية ببعض أهل تلك الناحية، فهل يجب على باقي أهل تلك الناحية؟ فظاهر المذهب أنه يتعين على الباقين أن يخرجوا كذلك، ومنهم من قال بأنه إن حصلت الكفاية ببعض أهل الناحية لم يجب على الباقين. وأما القريب من تلك الناحية، فننظر؛ إن حصلت الكفاية بأهل تلك الناحية؛ فيجب على من كان دون مسافة القصر من تلك الناحية أن يخرجوا على ظاهر المذهب، وعلى القول الآخر لا يجب، وإن لم تحصل الكفاية؛ فيتعين على الأقربين أن يخرجوا. وأما الذين يقعون من الناحية على مسافة القصر فصاعداً؛ فإن لم يكن في أهل الناحية وفي الذين يلونهم كفاية، تعيّن عليهم أن يخرجوا إليهم، ثم إذا خرج إليهم قوم فيهم كفاية، سقط الحرج عن الباقين([3]).
ثانيًا: جهاد الطلب (الحرب الهجومية)
تعريفه: هو مُبادأة الكفار بالقتال بعد رفضهم للدعوة ورفضهم الدخول تحت الحكم الإسلامي([4]).
حكم هذا النوع:
لا خلاف بين العلماء كما مر معنا في أن قتال الدفع ضد العدوان الواقع على المسلمين هو فرض عين على المسلمين، ولكن وقع الخلاف بين العلماء في حكم جهاد الطلب، أي: هل يشرع للمسلمين قتال الكفار إن لم يصدر منهم عدوان على المسلمين، ولم يمنعوا المسلمين من نشر الدعوة الإسلامية في بلادهم، ولكن رفض أصحاب السلطة في تلك البلاد أن يدخلوا في الإسلام، أو رفضوا الخضوع للحكم الإسلامي عن طريق دفع الجزية؟
للعلماء في ذلك رأيان:
الرأي الأول: وعليه اتفق جميع العلماء السابقين
اتفق العلماء السابقون جميعهم على مشروعية جهاد الكفار غير المحاربين، وذلك بغرض إخضاعهم لحكم المسلمين. ثم حدث خلاف بينهم في صفة هذه المشروعية على قولين:
القول الأول: وعليه جماهير العلماء بما فيهم المذاهب الأربعة، ذهبوا إلى أن جهاد الطلب فرض كفاية، تأثم الأمة إن تركته، وأنه لا بد من إعداد العدة وغزو بلاد الكفر كلما أمكن، ويحصل فرض الكفاية إذا قام به المسلمون مرة في السنة، فلا يجوز أن تمر سنة دون أن يغزو المسلمون بلاد الكفار، إلا لضرورة؛ بأن يكون في المسلمين ضعف وفي العدو كثرة، ويُخاف من ابتدائهم الاستئصال، وقيل: كلما أمكن([5]).
ومنهم من لم يعتبر السنة، بل جعل الأمر بحسب حال المسلمين، وبحسب الإمكانات المتاحة لهم.
جاء في روضة الطالبين: “الجهاد دعوة قهرية، فيجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة، ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة، وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة، وهي أن الأموال والعدد لا تتأتى لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة”([6]).
ومما يدل على أن التقييد بمرة في السنة هو تقدير اجتهادي للفقهاء، وليس بلازم: أنهم أجازوا تأخيره إن كان في المسلمين ضعف، بل قد يكون الجهاد ممنوعًا إذا كان الإمام يعلم بأن القيام به يؤدي إلى هزيمة المسلمين؛ بسبب عدم التكافؤ في العدد والعدة، أو بأي سبب آخر تورث غلبة الظن بعدم انتصار المسلمين، فعند ذلك لا يجوز للإمام أن يجازف بأرواح المسلمين، ويلقي بهم إلى الهلكة.
جاء في المهذب: “فإن دعت الحاجة الى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة ما يحتاج إليه من قتالهم من المدة، وللطمع في إسلامهم ونحو ذلك من الأعذار، جاز تأخيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر قتال قريش بالهدنة”([7]).
ولكن حتى يكون الجهاد فرض كفاية لا بد أن يكون المسلمون قادرين على القيام بهذا الفرض، أما إذا عجزوا عن ذلك فإن هذا الفرض يسقط عنهم، جاء في السير الكبير: “ولا ينبغي أن يدع المشركين بغير دعوة إلى الإسلام، أو إعطاء جزية إذا تمكن من ذلك؛ لأن التكليف بحسب الوسع”([8]).
وقد نقل جماعة من العلماء الإجماع على أن جهاد الطلب فرض كفاية، قال ابن عطية: والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية([9]).
القول الثاني: وإليه ذهب ابن شبرمة وسحنون، ونُقل عن سفيان الثوري وابن عمر رضي الله عنهما، فهؤلاء يرون أن قتال الكفار ليس بفرض، وإنما هو تطوع، إلا أن يستنفر الإمام أحدًا، فيجب حينئذ. جاء في أحكام القرآن: “وقال جماعة من الفقهاء: إن الجهاد بعد فتح مكة ليس بفرض، إلا أن يستنفر الإمام أحدًا منهم، قاله سفيان الثوري، ومال إليه سحنون، وظنه قوم بابن عمر حين رأوه مواظبًا على الحج تاركًا للجهاد”([10]).
إلا أن في نسبة هذا القول للثوري نظر؛ فقد فسر ابن عطية قول الثوري بندب جهاد الطلب؛ بأن كلامه كان جوابًا على سؤال سائلٍ ورد في وقتٍ كان الجهاد قائمًا، والكفاية حاصلة، فلذلك أجاب بأنه تطوع في ذلك الوقت([11]).
وكذلك نقل الجصاص عن الثوري ما يدل على أن قوله مثل قول الجمهور، فقال: “وقد ذكر أبو عبيد أن سفيان الثوري كان يقول ليس بفرض، ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزي فيه بعضهم على بعض فإن كان هذا قول سفيان فإن مذهبه أنه فرض على الكفاية وهو موافق لمذهب أصحابنا”([12]).
وأما ما نقل عن ابن عمر من أنه قال بندب الجهاد، فقد ورد عنه روايتان، يُفهم من الأولى أن موقفه لم يكن في قتال الكفار، وأما الرواية الثانية فيفهم منها أن كلامه كان في قتال الكفار، وكلا الروايتين في البخاري.
أما الرواية الأولى: فهي ما ورد في موقفه من فتنة ابن الزبير؛ فقد ورد أنه أتاه رجلان فقالا له: إن الناس ضُيِّعوا، وأنت ابن عمر، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرَّم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٌ﴾ [البقرة: 193]؟ فقال: قاتَلْنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله([13]).
فهذه الرواية يُفهم منها أن امتناعه عن القتال إنما كان بسبب أن القتال كان بين المسلمين.
وأما الرواية الثانية فهي: أن رجلًا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قد علمت ما رغّب الله فيه! قال: يا ابن أخي، بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ﴾ [الحجرات: 9]، ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٌ﴾ [البقرة: 193]؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلًا، فكان الرجل يُفتَن في دينه؛ إما قتلوه، وإما يعذبوه، حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة([14]).
فسياق هذه الرواية هو نفس سياق الرواية السابقة، بدليل أنه ذكر الآية التي نزلت في القتال بين المسلمين، ولكن ما أجاب به ابن عمر من قوله: “وكان الإسلام قليلًا، فكان الرجل يفتن في دينه؛ إما قتلوه وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة”، يدل على أنه يقصد به قتال المشركين، فقد ذكر أن المسلمين كانوا قلة وكان الرجل يُفتن عن دينه، وهذا ما فعلته قريش بالمسلمين، ثم بين أن الإسلام كثُر، فلم تكن فتنة، فيفهم منه أنه لا يرى الجهاد فرضًا إلا في حال قتال المشركين للمسلمين، وهذا واضح بيِّن من هذه الرواية.
فنقطة الخلاف بين أصحاب القول الأول والثاني في حكم جهاد الطلب هي: هل يجب قتال الكفار المٌسالمين غير المعتدين، ويحرم ترك قتالهم، بما يعني تحريم تركهم يحكمون أنفسهم بأنظمة الكفر؟ أم يجوز قتالهم ويجوز ترك قتالهم بحسب ما تُمليه المصلحة في ذلك؟ فجماهير العلماء يوجبون قتالهم، بحيث يأثم كل المسلمين إن تركوا قتالهم، وذهب عدد قليل من العلماء إلى أن قتالهم ليس بواجب. فهم متفقون على المشروعية.
وفي ذلك يقول الجصاص: “ولا نعلم أحدًا من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره، فقد حصل الاتفاق من الجميع على نسخ حظر القتال”([15]).
الرأي الثاني: عدد من المعاصرين
ذهب عدد من العلماء المعاصرين إلى إنكار مشروعية الحرب الهجومية، وقالوا بأن سبب القتال ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين، ولا يجوز للمسلمين أن يهاجموا الكفار إن لم يحصل منهم اعتداء.
ومن أبرز من تبنى هذا الرأي: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والأستاذ محمد عزة دروزة، وغيرهم([16]).
يقول الشيخ عبد الوهاب خلَّاف: “والنظر الصحيح يؤيد أنصار السلم القائلين بأن الإسلام أسس علاقات المسلمين بغيرهم على المسالمة والأمان لا على الحرب والقتال إلا إذا أريدوا بسوء لفتنتهم عن دينهم أو صدهم عن دعوتهم فحينئذ يفرض عليهم الجهاد دفعًا للشر وحماية للدعوة”([17]).
الأدلة:
أولًا: أدلة الجمهور
استدل الجمهور على أن الجهاد فرض كفاية بأدلة من القرآن والسنة، واستدلالهم بها من وجهين:
الوجه الأول: النصوص العامة الآمرة بالجهاد والمحذرة من تركه، والتي تتوعد من تركه بالذل، ومن هذه النصوص:
- قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٌ لَّكُمۡۖ﴾ [البقرة: 216].
- وقوله أيضًا: ﴿ٱنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [التوبة: 41].
- ﴿قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٍ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ﴾ [التوبة: 29].
فهذه الآيات تأمر بقتال الكفار؛ لأنها واردة بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب.
- وقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ٣٨ إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡـئًاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ قَدِيرٌ﴾ [التوبة: 38-39].
وهذه الآية تدل على وجوب الجهاد؛ لأن الله استنكر عليهم تثاقلهم عن الجهاد، وأوجب العذاب على من لا يستجيب لأمر الله بالنفير، والعذاب لا يكون إلى على ترك واجب.
وأما الأحاديث، فمنها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ”([18]).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الجهادُ واجبٌ عليكم مع كلِّ أميرٍ، بَرًّا كان أو فاجرًا”([19]).
- عن أنسٍ رضي الله عنه، أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: “جاهِدوا المشركين بأَموالِكم وأَنفُسِكُم وأَلسنتِكم”([20]).
فهذه النصوص واضحة في أن الجهاد فرض يأثم المسلون بتركه، فقد وردت بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب([21]).
الوجه الثاني: أنه هذه النصوص العامة الدالة على فرض الجهاد على المسلمين، وردت بإزائها نصوص أخرى تدل على أن هذا الواجب ليس عينًا، وإنما هو فرض كفاية، ومن هذه النصوص:
- قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةًۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٍ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
وجه الاستدلال بها: أن الجهاد ليس على الأعيان، وأنه فرض كفاية؛ إذ لو نفر الكل لضاع من ورائهم العيال، فيخرج فريق منهم للجهاد، وليُقِم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم([22]).
- قوله تعالى: ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةًۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 95].
وجه الدلالة: {وكلًّا وعد الله الحسنى} أي وكلا من القاعدين والمجاهدين فقد وعده الله الحسنى قال الفقهاء: وفيه دليل على أن فرض الجهاد على الكفاية، وليس على كل واحد بعينه؛ لأنه تعالى وعد القاعدين الحسنى كما وعد المجاهدين، ولو كان الجهاد واجبا على التعيين لما كان القاعد أهلا لوعد الله تعالى إياه الحسنى”([23]).
- عن زيد بن خالد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله فقد غزا”([24]). ولو كان الجهاد فرض عين لما مدح من جهز الغازي ومن خلفه في أهله، ولما جعل له مثل أجر الغازي.
حجة من يرى أن جهاد الطلب مندوب:
- أن كلمة (كُتب) في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ﴾ [البقرة: 216] لا تدل على الوجوب، بل على الندب؛ وهي مثل قوله تعالى في الوصية: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]([25]).
ويرد عليهم: أن الوصية كانت واجبة بهذه الآية، وذلك قبل أن يفرض الله المواريث، ثم نسخت بعد الميراث. ثم إن كلمة (كُتب) معناها في الأصل: فُرض، كما في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]؛ أي: فرض عليكم الصيام، إلا أن يقوم دليل على أن المراد بـ (كُتب) الندب، ولم تقم الدلالة في الجهاد أنه ندب([26]).
- استدلوا بحديث ابن عمر: أن رجلًا أتاه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قد علمت ما رغّب الله فيه! قال: يا ابن أخي، بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت([27]).
فاحتج ابن عمر على من سأله عن سبب تركه الجهاد بحديث “بني الإسلام على خمس”، وليس فيه ذكر الجهاد، فهذا يدل على أن الجهاد ليس بفرض.
ويرد عليهم: أن الحديث الذي أورده ابن عمر رضي الله عنهما هو في فروض الأعيان، فالحديث وارد في تعدا فروض العين التي تلزم كل مكلف، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وتعلم علوم الدين، وغسل الموتى وتكفينهم ودفنهم، كلها فروض كفاية، ومع ذلك لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فيما بني عليه الإسلام، ولم يخرجها ترك ذكرها من أن تكون فروضًا([28]).
هذه هي أدلة القائلين بأن جهاد الطلب (الهجومي) مندوب، وقد قدمت أن رأي القائلين بالندب يعتبر ضمنًا مع قول القائلين بأنه فرض كفاية، وذلك من ناحية أنهم يقولون بمشروعية هذه الجهاد، فلو أراد المسلمون أن يجاهدوا الكفار لضم بلادهم وجعلها تحت حكم المسلمين، فيجوز لهم ذلك، بل هو مندوب إليه عندهم.
وإنما جعلت من قال بندب الجهاد الهجومي ضمن رأي من يقول بأنه فرض كفاية؛ لأن الرأي هو في مقابل رأي عدد من المعاصرين الذين لم يقولوا بمشروعية جهاد الطلب، وجعلوه من الظلم الممنوع. فلننتقل الآن لبيان أدلة هذا الفريق.
أدلة أصحاب الرأي الثاني (القائلين بعدم المشروعية):
كما مر معنا فقد ذهب فريق من المعاصرين إلى عدم مشروعية جهاد الطلب، وجعلوا الجهاد الهجومي الذي يهدف إلى قتال الكفار المسالمين لضمهم إلى سلطة الدولة الإسلامية وإجراء أحكام الإسلام عليهم، جعلوه من باب الاعتداء والظلم، وحصروا القتال المشروع بالقتال الدفاعي، أو في حال مُنع المسلمون من نشر الدعوة الإسلامية.
لخص الدكتور يوسف القرضاوي الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا الرأي في الأمور التالية([29]):
- قوله تعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. فالآية شرعت قتال من قاتل المسلمين، ومفهوم المخالفة: عدم شرعية قتال من لم يقاتلهم، وفي الآية نهي عن الاعتداء، ومنه قتال المُسالم.
- قوله تعالى: ﴿فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلًا﴾ [النساء: 90]، وفي مقابله قال: ﴿فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ﴾ [النساء: 91].
- أمره تعالى بالجنوح للسلم إذا جنح له العدو وإن كان يريد الخداع، فقال: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ 61 وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ﴾ [الأنفال: 61، 62].
- منع الإكراه في الدين بأي وجه من الوجوه، فقال تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ﴾ [البقرة: 256].
- أمر تعالى لرسوله بالتولي والإعراض عن المشركين إذا لم يستجيبوا لدعوته، ولم يؤمَر بقتالهم، فقال: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ [التوبة: 129]، وقد تكرر الأمر بالإعراض في سور كثيرة.
- وضع دستور المسالمة والمحاربة في آيتين: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9].
- حديث عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: “يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا”([30]).
- حديث أبي سكينةَ، عن رجُلٍ من أصحابِ النبي صلَّى الله عليه وسلم، عن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أنه قال: “دعوا الحَبَشة ما وَدَعُوكم، واتركوا التُّرك ما تَركوكم”([31]).
- قراءة صحيحة للسيرة النبوية ولغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن هو البادئ بالهجوم أبدًا لمن سالموه وكفُّوا عنه، بل المشركون هم الذين يهاجمون المسلمين في أكثر من مرة، وقراءة صحيحة لفتوحات المسلمين أنها كانت ردًّا لعدوان، أو منعًا لفتنة المؤمنين، أو كانت عمليات وقائية بالنسبة للمسلمين، أو تحريرًا لشعوب مستضعفة.
هذه مجمل الأدلة التي استدلوا بها، وقبل أن ننظر في الأدلة التي استدلوا بها، لا بد من نظرة في أصل المسألة، فالأساس الذي بنوا عليه آراءهم لا يصلح لأن يكون ركيزة حتى يقيموا عليها أعمدة تصمد في وجه رأي جماهير العلماء، بل هو الرأي المتفق عليه دون مخالف.
فأول ما يرد به عليهم: هو أنهم قد خرجوا بهذا الرأي عن اتفاق الفقهاء، وخرجوا بقول لم يقل به أحد، وذلك لأن الفقهاء كما مر معنا متفقون على مشروعية جهاد الطلب، وإنما الخلاف الواقع بينهم هو في صفة هذه المشروعية؛ فالجمهور يقولون بأنه فرض كفاية، والفريق الثاني يقولون بأنه تطوع، ولكن لم ينكر أحد أصل مشروعيته، فهذا الفريق من المعاصرين قد خرجوا تمامًا عن رأي الفقهاء، واستحدثوا قولًا جديدًا ما قال به أحد، وهذا ما يُعرف في أصول الفقه: باستحداث قول ثالث في مسألة فيها قولان.
وصورة المسألة: إذا اختلف الصحابة أو من بعدهم في مسألة على قولين، فهل يصح استحداث قول ثالث فيها؟ مثال ذلك: النية معتبرة في جميع الطهارات، وقال البعض: النية معتبرة في البعض دون البعض، فالقول بأنها لا في شيء من الطهارات قول ثالث.
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وإليه ذهب الجمهور، قالوا: لا يجوز استحداث قول ثالث.
القول الثاني: وإليه ذهب بعض الشيعة وبعض الحنفية وبعض أهل الظاهر: يجوز ذلك.
القول الثالث: اختاره الآمدي، وهو التفصيل: فإن كان القول الثالث مما يرفع ما اتفق عليه القولان، فهو ممتنع؛ لما فيه من مخالفة الإجماع، كما في مسألة النية في الطهارة؛ فقد اتفقت الأمة فيها على قولين، وهما: اعتبار النية في جميع الطهارات، أو اعتبارها في البعض دون البعض، فقد اتفق القولان على اعتبارها في البعض، فالقول المحدث النافي لاعتبارها مطلقًا يكون خرقًا للإجماع السابق.
وأما إن كان القول الثالث لا يرفع ما اتفق عليه القولان، بل وافق كل واحد من القولين من وجه وخالفه من وجه، فهو جائز؛ إذ ليس فيه خرق الإجماع([32]).
وهذه المسألة التي نتكلم عنها من هذا القبيل؛ وذلك لأن المعاصرين عندما منعوا جهاد الطلب، وجعلوه غير مشروع، قد خرجوا به عن قول السابقين بالكلية، وهذا كما عرفنا لا يجوز ويُعدّ خرقًا للإجماع عند جماهير العلماء ومعهم الآمدي؛ لأن السابقين وإن اختلفوا في حكم جهاد الطلب، إلا أن اختلافهم _كما مر_ هو بين كونه فرض كفاية أو تطوع، ولكن المعاصرين خرجوا بقول لم يقل به أحد، وهو القول بمعدم مشروعية هذا الجهاد.
وهذا الدليل يكفي لنقض أصل أدلتهم، ولم يعد هناك داع للنظر في بقية الأدلة؛ إذ يعتبر قولهم هذا مخالف ٌلإجماع السابقين.
ولكن لو لم نعتبر رأيهم مخالفًا للإجماع، فاستدلالاتهم التي ذكروها لا تسلم لهم، ويمكن أن يجاب عنها، وذلك فيما يأتي:
الرد على استدلالهم بآية: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
هذه الآية ذهب كثير من العلماء إلى أنها نزلت في بداية عهد المسلمين بالمدينة، بل منهم من جعلها أول آية نزلت بالمدينة، وكما مر معنا في مراحل تشريع الجهاد، فإن الجهاد كان ممنوعًا ثم أذن فيه بعد الهجرة، ثم بعد ذلك أمروا بقتال من قاتلهم فقط، فهذه الآية أمرت المسلمين بقتال من قاتلهم والكف عمن لم يقاتلهم، وهذا يدل على أن التشريع الإسلامي تشريع ينطلق من الواقع وحسب وضع المسلمين وقوتهم، فهم في بداية عهدهم بالمدينة ما زالوا في بداية إنشاء الدولة الإسلامية، وقدرتهم محدودة، فليس من المنطقي أن يتوسع المسلمون في القتال؛ لوجود عدو مباشرٍ يتربص بالمسلمين ويرد القضاء على الدعوة، وهم قريش.
ولذلك فقد ذهب فريق من العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة، نسختها الآيات التي تأمر بقتال المشركين كافة، أو التي تأمر بقتال المشركين حيث وجدوا.
ولكن أنكر كثير من العلماء نسخ هذه الآية؛ لأن النسخ لا بد أن يكون عليه دليل قوي متفق عليه، والنسخ لا يصار إليه إلا بعد تعذر الجمع بين الآيات التي يظن فيها التعارض أولًا، أو تعذر الترجيح، ثم وجود نص صريح صحيح بالنسخ، وقد تبين لنا أن التعارض غير موجود بسبب أن هذه الآية نزلت في بداية الفترة المدنية، والآيات الأخرى نزلت فيما بعد، ومن شروط التعارض التي يتعذر معه الجمع أو الترجيح: اتحاد الزمان والمكان([33]).
وذهب فريق من العلماء منهم ابن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز إلى أن الآية لا يختص بقتال من بدأ بالقتال، وإنما معنى قوله: {الذين يقاتلونكم}؛ النهي عن قتل المرأة والصبي والشيخ الكبير والراهب وشبههم إذا لم يقاتلوكم، والتقدير: قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلكم، ولا تعتدوا في قتل مثل هؤلاء ممن ليسوا بحالة من يقاتلكم، وهناك قول وجيه لمعنى هذه الآية، مفاده: أن معنى {يقاتلونكم} أي: الذين يرون قتالكم ويعتقدونه دينًا وشرعًا([34]).
إذا عرفنا معنى الآية والأقوال فيها، تبين أنها لا تصلح دليلًا لهم فيما ذهبوا إليه.
الرد على استدلالهم بآية: ﴿فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلًا﴾ [النساء: 90].
أولًا لا بد من معرفة سبب نزول الآية؛ لأن معرفة سبب النزول يعين على فهمها؛ ولكن اختلفوا في سبب نزولها:
فروي عن ابن عباس أنها نزلت في قوم كانوا بمكة فتكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة، وإن المؤمنين لما أخبروا بهم قالت فئة: اخرجوا إلى هؤلاء الجبناء فاقتلوهم، وقالت أخرى: قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به.
وقال الحسن ومجاهد: نزلت في قوم قدموا المدينة فأظهروا الإسلام، ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك.
وروى عبد الله بن يزيد الأنصاري عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، رجعت طائفة ممن كان معه، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين؛ فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا نقتلهم، فنزلت، وهو اختيار البخاري والترمذي.
ولكن لو نظرنا إلى سياق الآية، فإن سياقها يرجح قول من ذهب إلى أنهم أهل مكة؛ لأن سياقها يتحدث عن الهجرة، وهو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء: 89]، وهذا هو اختيار الطبري([35]).
وبالنظر إلى سبب نزول هذه الآية، على كل الروايات، فإنها نزلت في قوم من المنافقين، فالآية لا دلالة فيها في موضوعنا؛ لأن موضوع البحث هو في قتال الكفار، والمنافقون هم مسلمون في الظاهر، ولقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم مع ظهور نفاقهم.
وأما أمره في الآية قبلها بقتالهم في قوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ﴾ [النساء: 89]، فمعنى التولي هنا هو: الإعراض عن الإيمان، وقال السدي: أي أظهروا كفرهم([36])، وعند ذلك يجوز قتلهم؛ لظهور كفرهم الصريح، ولم يعودوا منافقين.
الرد على استدلالهم بآية: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا﴾ [الأنفال: 61].
فمعنى الآية: وإن مالوا إلى مُسالَمَتك؛ إما بالدخول في الإسلام، أو بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح، فمِل إليها([37]).
والآية نزلت في موادعة أهل الكتاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عاهد حين قدم المدينة أصنافًا من أهل الكتاب؛ منهم النضير وبنو قينقاع وقريظة، وعاهد قبائل من المشركين، وذلك قبل أن يكثر أهل الإسلام ويقوى أهله، فلما كثر المسلمون وقوي الدين، أمر بقتل مشركي العرب، ولم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية([38]).
بهذا نعلم عدم صحة استدلالهم بهذه الآية على عدم مشروعية الحرب الهجومية؛ لأنها نزلت في بداية عهد المدينة كما ذكر العلماء، عندما كان المسلمون في ضعف وقلة، وهذه الحال لا يقوى فيها المسلمون على فتح جبهات عليهم، فنزلت الآية في بيان جواز معاهدة اليهود. فهي لا تشمل جميع الأزمان، ولا جميع الكفار، إنما نزلت مناسبة لوضع المسلمين، فلما قوي المسلمون نزلت آية قتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بإخضاعهم للدولة الإسلامية.
الرد على استدلالهم بآية: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ﴾ [البقرة: 256]:
هذه الآية أرى أنه لا تعارض بينها وبين جهاد الطلب من قريب ولا من بعيد؛ وإنما يلتبس الأمر على من لم يفهم معنى الجهاد، أو يظن أن الجهاد إنما شرع لإجبار الناس على الدخول في الإسلام، بينما الجهاد هو قتال رؤوس الكفر الذين يحكمون الشعوب بالأحكام الوضعية الظالمة، فهؤلاء هم الذين يقاتلهم المسلمون، الإسلام لا يقاتل الكافر من أجل كفره؛ وإنما يقاتل النظام الذي يحجب عنه نور الهداية، ويحارب النظام الذي يجعل الناس عبيدًا لغير الله، النظام الذي تتحكم به أهواء البشر، مما يجعل الناس يعيشون في تيه وضلال، يحارب تلك الأنظمة ليُحِلّ محلها النظام الذي يحفظ للناس جميع حقوقهم، يحفظ لهم الحرية الدينية، ويحفظ لهم حياتهم وأموالهم وعقولهم. فيعرض على تلك الأنظمة ثلاث خيارات: إما الإسلام، فإن أبوا؛ فالجزية، يدفعونها للمسلمين في مقابل أن يخضعوا للحكم الإسلامي، ويصبحوا تحت سيطرة الدولة الإسلامية، فإن أبوا؛ فالقتال، ثم إن قاتلناهم فلا نقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، إنما يكفي خضوعهم لسلطان المسلمين، ثم بعد ذلك هم أحرار في اختيار عقديتهم، ولم يحدث في تاريخ حروب المسلمين أن أجبروا أحدًا على ترك دينه والدخول في الإسلام.
جاء في ظلال القرآن: “إن الإسلام يقوم على قاعدة: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ﴾، ولكن لماذا ينطلق إذن بالسيف مجاهدًا؟ ولماذا اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون؟ إنه لأمر آخر غير الإكراه على العقيدة كان هذا الجهاد، بل لأمر مناقض تمامًا للإكراه على العقيدة، إنه لضمان حرية الاعتقاد كان هذا الجهاد؛ لأن الإسلام كإعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد، يواجه دائمًا طواغيت في الأرض يُخضِعون العباد للعباد، ويواجه دائمًا أنظمة تقوم على أساس دينونة العبيد للعبيد، تحرس هذه الأنظمة قوة الدولة أو قوة تنظيمية في صورة من الصور، وتحول دون الناس في داخلها ودون سماع الدعوة الإسلامية، كما تحول دونهم ودون اعتناق العقيدة إذا ارتضتها نفوسهم، أو تفتنهم عنها بشتى الوسائل، وفي هذا يتمثل انتهاك حرية الاعتقاد بأقبح أشكاله، ومن هنا ينطلق الإسلام بالسيف ليحطم هذه الأنظمة، ويدمر هذه القوى التي تحميها، ثم ماذا؟ ثم يترك الناس بعد ذلك أحرارًا حقًّا في اختيار العقيدة التي يريدونها، إن شاؤوا دخلوا في الإسلام، فكان لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، وكانوا إخوانًا في الدين للسابقين في الإسلام، وإن شاءوا بقوا على عقائدهم وأدوا الجزية؛ إعلانًا عن استسلامهم لانطلاق الدعوة الإسلامية بينهم بلا مقاومة؛ ومشاركة منهم في نفقات الدولة المسلمة التي تحميهم من اعتداء الذين لم يستسلموا بعد، وتكفل العاجز منهم والضعيف والمريض كالمسلمين سواء بسواء([39]).
الرد على استدلالهم بآية: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ [التوبة: 129]، وأن الله لم يأمر نبيه بقتال من أعرض ولم يقبل الإسلام.
أقول: وأين دلالة هذه الآية على عدم مشروعية جهاد الطلب! هذه الآية تقرر ما قررته آية ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ﴾، فالذي يتولى ويعرض عن الإيمان لا يملك له النبي صلى الله عليه وسلم الهداية، ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ﴾ [الغاشية: 21-22]، فليس في الآية أي إشارة أو دلالة على عدم مشروعة قتال الكفار غير المقاتلين، ولم ير إلى هذا المعنى أي كتاب من كتب التفسير، جاء عند الطبري في تفسير هذه الآية: فإن تولى يا محمد، هؤلاء الذين جئتهم بالحق من عند ربك من قومك، فأدبَروا عنك، ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله، وما دعوتهم إليه من النور والهدى، {فقل حسبي الله}: يكفيني ربي.
الرد على استدلالهم بآية: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]:
وهذه الآية لا تصلح دليلًا في استدلالهم على عدم جواز قتال الكفار إن لم يقاتلونا؛ لأننا مأمورون بالبر والإقساط لكل الناس، وشرع الجهاد ضد الكفار إنما هو ضد السلطة الكافرة الحاكمة ومن ساندها، أما المواطنين من غير المسلمين ممن هم داخلون في ذمة المسلمين أو من الذين دخلوا أرض المسلمين بأمان فهؤلاء لا يجوز أن نتعرض لهم بأذى، بل نحن مأمورون بالإحسان إليهم والتسامح معهم، ويدل على ذلك ما في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة، في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: يا رسول الله، قدمت عليّ أمي وهي راغبة، أَفأَصِل أمي؟ قال: “نعم، صِلي أمك”([40]). وقد روي أن هذه الآية نزلت فيها([41]).
والمنهي عنه هو موالاة المشركين، والموالاة غير البر والإقساط إليهم، قال الشافعي رحمه الله: وكانت الصِّلة بالمال، والبرُّ والإِقْساط ولِين الكلام والمراسلة بحكم الله غير ما نهوا عنه من الولاية لمن نهوا عن ولايته، مع المظاهرة على المسلمين، وذلك أنه أباح بِرَّ من لم يظاهر عليهم من المشركين، والإقساط إليهم، ولم يحرم ذلك إلى من أظهر عليهم، بل ذكر الذين ظاهروا عليهم، فنهاهم عن ولايتهم، وكانت الولاية غير البر والإقساط([42]).
الرد على استدلالهم بحديث: “لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية”:
كيف يُفهم من هذا الحديث عدم مشروعية الحرب الهجومية أو جهاد الطب! ولو كان الأمر كما ذهبوا إليه لما شُرع للإنسان أن يسأل الله الشهادة، كيف وقد ورد استحباب طلب الشهادة كما جاء في الحديث عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده، وددت أني لأقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أُحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا”، فكان أبو هريرة يقولهن ثلاثا، أشهد بالله([43]).
ولكن معنى الحديث كما جاء في شروحه: أنّ تمني لقاء العدو ربّما أثار فتنة أو أدخل مضرّة؛ لأن تمني لقاء العدو قد يؤدي إلى الاستخفاف بالعدو وعدم الاستعداد المطلوب لملاقاته، وربما تمني لقاء العدو يأتي من الإعجاب والاعتداد بالنفس ونسيان أن النصر من عند الله، وأنه مهما كانت قوة المسلمين فإنهم إن غفلوا عن الاستعانة بالله ومعرفة أن النصر من عنده فإن ذلك سيؤدي إلى هزيمتهم، كما حدث مع الصحابة يوم حنين.
إذن فالمراد بالحديث: النهي عن الاستهانة بالعدوّ والنهي عن ترك الحذر والتحفّظ على الأنفس، ولأن لقاء العدو من أشد الأشياء على النفس، والأمور الغائبة ليست كالمحققة، فقد يحدث أن يواجه الإنسان العدو ثم يجبن عن مقاتلته، فيفر من الزحف، وهو من الكبائر، فيكون قد أوقع نفسه في الهلكة([44]).
الرد على استدلالهم بحديث: “دعوا الحَبَشة ما وَدَعُوكم، واتركوا التُّرك ما تَركوكم”:
أولًا لا بد أن نعلم أن المقصود بالترك هم التتار وأهل مناطق منغوليا وما حولها، وليس المراد بهم دولة تركيا في الوقت الحالي، وهو ما يدل عليه كلام ابن كثير، حيث قال عن هجوم التتار على بلاد المسلمين: “وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار، لعنهم الله، فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة، وفرقوا شملهم، وهربوا من بين أيديهم، فلم يلحقوهم، ولم يتبعوهم خوفًا من غائلة مكرهم، وعملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: “اتركوا الترك ما تركوكم”([45]).
إذا عرفنا ذلك ظهر لنا لماذا خص النبي صلى الله عليه وسلم الترك والحبشة بالنهي عن قتالهم؛ وذلك رأفة بأمته وخوفًا عليهم من هؤلاء الهمج الذين أفسدوا الحرث والنسل في البلاد التي مروا عليها، ولو كان القتال الهجومي ممنوعًا لما خص النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الأمتين من بين أمم الأرض بالنهي عن قتالهم، بل إن هذا الحديث يدل على خلاف ما استدلوا به، وفيه دليل على مشروعية حرب الطلب؛ لأن مفهوم الحديث _وقد استدلوا بالمفهوم ضمن أدلتهم_ لا تتركوا قتال غير الترك، ولا توادعوا غير الحبشة، فتعيينه لهاتين الأمتين دليل على جواز قتال غيرهم ممن لم يقاتل المسلمين.
قال السندي: “دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا” إلخ، أي: اتركوا الحبشة والترك ما داموا تاركين لكم، وذلك لأن بلاد الحبشة وَعِرة، وبين المسلمين وبينهم مفاوز وقفار وبحار، فلم يكلف المسلمين بدخول ديارهم؛ لكثرة التعب، وأما الترك؛ فبأسهم شديد، وبلادهم باردة، والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة، فلم يكلفهم دخول بلادهم، وأما إذا دخلوا بلاد الإسلام والعياذ بالله، فلا يباح ترك القتال، كما يدل عليه: “ما ودعوكم”. وأما الجمع بين الحديث وبين قوله تعالى: ﴿وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةً﴾ [التوبة: 36]، فبالتخصيص، أما عند من يجوِّز تخصيص الكتاب بخبر الآحاد فواضح، وأما عند غيره؛ فلأن الكتاب مخصوص لخروج الذمي”([46]).
الرد على استدلالهم بأن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفتوحات الصحابة كانت دفاعية:
أولًا بالنسبة لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: إن المنطق والعقل السليم والنظرة من الناحية العسكرية والسياسية قبل النظر إلى الحكم الشرعي تقتضي أن تكون غزواته صلى الله عليه وسلم دفاعية وليست هجومية؛ إذ لا يمكن لدولة ناشئة يحيط بها الأعداء من كل جانب ويتربصون بها الدوائر، ويتحينون الفرص للانقضاض عليها، أن تفكر في قتال غير هؤلاء المتربصين؛ إذ كيف لمن يرى أمامه سبُعًا يتربص به ويتحين منه غفلة ليفترسه أن يتغافل عنه، ويذهب إلى دبٍّ نائم ويهجم عليه ويحاول قتله! وهذا ما كان عليه حال المسلمين في تلك الفترة، فقريش هي العدو الأول، وما سواها من القبائل والبلدان فلم تنشأ بينهم وبين الدولة الإسلامية أي عداوة.
إن الدولة الإسلامية في زمنه صلى الله عليه وسلم كانت دولة ناشئة، والأعداء يحيطون بها؛ فمن خارجها قريش والقبائل المحيطة بالمدينة، ومن داخلها قوم أشد عداءً للمسلمين يتربصون بهم ليوقعوا بهم، وهم اليهود والمنافقون، والفترة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فترة قصيرة جدًّا، بالكاد انتهى من وضع الأسس المتينة لتلك الدولة، وحصنها من كل أطرافها، حتى لحق بالرفيق الأعلى.
إذن فالوضع الأمني المحيط بالمدينة لا يمكن معه أن يفكر المسلمون باستعداء قوم بعيدين عنهم لم يفكروا يومًا بقتالهم، ويتركوا من هو كامن يتنظر من المسلمين غرة ليُجهز عليهم، فلذلك كانت غزواته صلى الله عليه وسلم دفاعية، وبعضها يعتبر من الحرب الدفاعية الهجومية، بأن يصله خبر بأن قومًا يعدّون العدة لغزوه، فيسرع إليهم ويقضي على خططهم بضربة استباقية.
هذا هو حال غزواته صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الدافع الذي جعلها دفاعية.
أما بالنسبة لحروب وفتوحات الصحابة رضي الله عنهم: فادعاء أن حروبهم كانت دفاعية، فهو ادعاء ليس عليه دليل، بل إن أغلب فتوحاتهم كانت من قبيل الحرب الهجومية، التي لم يكن يلمس المسلمون من القوم الذين خرجوا إليهم أي نية في قتالهم، بل خرجوا لنشر دين الله وإخضاع البلاد إلى الحكم الإسلامي، وتخليص الناس من ظلم قادتهم، الذين أذلوا شعوبهم وأذاقوهم الويلات، فالإسلام إنما جاء رحمة للعالمين، ومهمة المسلمين في نشر دين الله لا تتم إلا بالقضاء على أولئك الطواغيت.
وأصرح دليل يدل على أن حروب الصحابة كانت من قبيل الحرب الهجومية: ما رواه البخاري عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين… قال: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مُقرِّن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفًا، فقام ترجمانٌ فقال: لِيُكلِّمْني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب، كنا في شقاءٍ شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكرُه، وجلَّت عظمته إلينا نبيًّا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبيُّنا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا: أنه من قُتِل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم”([47]).
فهل يوجد بعد هذا الدليل من كلام في مسألة الباعث الذي دفع الصحابة إلى الجهاد؟ كيف يفسر أصحاب الحرب الدفاعية قول المغيرة بن شعبة لعامل كسرى: فأمرنا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية؟
وكيف تكون حروب الصحابة دفاعية، وقد انطلقوا يفتحون بلادًا تبعد عنهم مئات الأميال في أفريقيا وفارس وبلاد ما وراء النهر؟
أنصار الحرب الدفاعية يقولون بأن الحرب الدفاعية ليست فقط لرد العدوان الواقع، وإنما كذلك قتال من يتوقع منه عدوان يعتبر من ضمن الحرب الدفاعية، وهو جائز عندهم.
يقال لهم: وما هي الأدلة التي استندتم إليها في أن البلاد التي فتحها الصحابة قد لمسوا منها نية العدوان، أو صدرت منهم بوادر الاعتداء؟
إن ما ورد في كتب التاريخ يدل على أن المسلمين كانوا يفتحون بلادًا ضعيفة لا طاقة لها بحرب المسلمين، وهي بعيدة عنهم، ومع ذلك ذهبوا وفتحوها، فهل يمكن أن يقال بأن هذه الحروب كانت دفاعية؟
يدل على ذلك ما ورد في أمر فتح مصر، جاء في فتوح مصر والمغرب: “فلما قدم عمر بن الخطاب الجابية([48]) قام إليه عمرو، فخلا به، وقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أن أسير إلى مصر، وحرّضه عليها، وقال: إنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا، وأعجزها عن القتال والحرب([49]).
فهذا سيدنا عمرو بن العاص يصف حال مصر لسيدنا عمر بن الخطاب، ويقول بأنها عاجزة عن القتال والحرب، فأين التهديد الذي أتى من مصر حتى قام الصحابة بفتحها؟
بعد هذا العرض الموجز لأدلة الفريقين، وبعد الردود على أدلة القائلين بعدم مشروعية جهاد الطلب، يتبين قوة أدلة رأي جماهير أهل العلم القائلين بمشروعية جهاد الطلب أو الحرب الهجومية، وأن أدلة القائلين بعدم مشروعيته لا تصمد أمام الردود التي أوردناها.
أخيرًا: قد يقول قائل: ما فائدة الكلام في مسألة الحرب الهجومية والمسلمين لا يقدرون على تحرير بلادهم، فكيف يمكن أن يفكروا بفتح بلاد جديدة؟
وأقول في الجواب: نقرُّ أن هذا الكلام بالنسبة لواقع المسلمين الحالي لا قيمة له؛ إذ الأولى أن نفكر باسترداد فلسطين، وإنقاذ ملايين المسلمين في دول أخرى من سطوة المحتلين، قبل نفكر في مسألة الحرب الهجومية على دولة كافرة لضمها إلى بلاد المسلمين، ثم إن بلاد المسلمين غير موحدة، فالأولى السعي إلى توحيدها، وإرجاع الخلافة الإسلامية، ثم إن الدول الإسلامية لا يطبَّق فيها شرع الله في الأمور الحياتية العادية، فكيف يمكن أن يفكروا في تطبيق شرعه تعالى في الأمور الدولية!
ولكن، هذا كله لا يمنع أن نبين حكم الله في هذه المسألة، وأن نبين للمسلمين ما هو الوضع الصحيح الذي ينبغي أن تكون عليه بلاد المسلمين، وأن وضعهم الحالي هو حالة طارئة عليهم أن يسعوا إلى القيام من هذه الكبوة بأسرع الطرق. ثم ينبغي ألا تقودنا حالة الضعف والهزيمة التي يعيشها المسلمون اليوم إلى السكوت عما قرره بعض العلماء المعاصرين في هذه المسألة وخالفوا فيها اتفاق الأمة في العصور السابقة، وربما كان الدافع للبعض إلى تبني هذا الرأي المخالف التأثر بالهجمة المنظمة على المسلمين باتهامهم بالإرهاب؛ وهذه التُّهم ربما تطلق ضد المسلمين لدفعهم إلى أن يتبرؤوا من بعض أحكام دينهم وترك التفكير بالجهاد، حتى يسهل عليهم إتمام السيطرة على بلاد المسلمين، في عصر أصبح حتى دفاع المسلمين عن أنفسهم يدرج تحت ما يسمى بالإرهاب.
وما يدرينا متى ييسر الله أسباب النصر، وتعود الأمة إلى سابق مجدها، وعسى أن يكون ذلك قريبًا بإذن الله، وعند ذلك نستطيع تطبيق هذه الأحكام.
المصادر:
[1] انظر: الزحيلي، وهبة، آثار الحرب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1419ه، 1998م، (91). وهيكل، محمد خير، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، (636).
[2] انظر: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، رد المحتار على الدر المختار، (4/124). واللخمي، علي بن محمد، التبصرة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى، 1432ه، 2011م، (3/1341). والجويني، عبد الملك بن عبد الله، نهاية المطلب في دراية المذهب، دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428ه، 2007م، (17/409). وابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة الثالثة، 1417ه، 1997م، (13/8).
[3] انظر: الجويني، عبد الملك بن عبد الله، نهاية المطلب في دراية المذهب، (17/409).
[4] انظر: هيكل، محمد خير، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، (518).
[5] انظر: المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية في شرح بداية المبتدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (2/378). وانظر: عُلَّيش، محمد بن أحمد، منح الجليل شرح مختصر خليل، دار الفكر، بيروت، 1409ه، 1989م، (3/135). والنووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، المكتب الإسلامي، بيروت_دمشق، الطبعة الثالثة، 1412ه، 1991م، (10/209). وابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني، (13/6).
[6] النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين، (10/209).
[7] الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية، 1431ه، (3/266).
[8] الشيباني، محمد بن الحسن، والسرخسي، محمد بن أحمد، السير الكبير وشرحه، الشركة الشرقية، 1971م، (189).
[9] انظر: ابن عطية، عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1422ه، (1/289). وانظر: الشربيني، محمد بن أحمد، مغني المحتاج، (6/8).
[10] ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1424ه، 2003م، (1/146). وانظر، اللخمي، التبصرة، (3/1340).
[11] انظر: ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، (1/289).
[12] الجصاص، أحكام القرآن، (4/312).
[13] البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}، رقم (4515)، (6/26).
[14] زيادة للرواية السابقة في البخاري في نفس الحديث.
[15] الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405ه، (3/191).
[16] انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الجهاد، (272). والزحيلي، وهبة، آثار الحرب، (90). رضا، محمد رشيد، الوحي المحمدي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1426ه، 2005م، (226). أبو زهرة، محمد، العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر العربي، مصر، 1415ه، 1995م، (50). خلَّاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، دار القلم، الطبعة الأولى، 1408ه، 1988م، (83). ودروزة، محمد عزة، التفسير الحديث، دار إحياء التراث، القاهرة، 1383ه، (9/351).
[17][17] خلَّاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، (84).
[18] مسلم، كتاب الإمارة، باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، رقم (1910)، (3/1715).
[19] أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430ه، 2009م، كتاب الجهاد، باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو، رقم (2533)، (4/186)، ورواه الدارقطني من هذا الوجه، ثم قال: مكحول لم يسمع من أبي هريرة، ومن دونه ثقات، وقال البيهقي: إسناده صحيح، إلا أن فيه إرسالًا بين مكحول وأبي هريرة. انظر: ابن الملقن، عمر بن علي، البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير، دار الهجرة، الرياض، الطعبة الأولى، 1425ه، 2004م، (4/456).
[20] أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في نسخ نفير العامة بالخاصة، رقم (2504)، (4/159)، والنسائي، أحمد بن شعيب، المجتبى من السنن، مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة الثانية، 1406ه، 1986م، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، رقم (3096)، (6/7). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، انظر: الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411ه، 1990م، (2/91).
[21] القادري، عبد الله بن أحمد، الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، دار المنارة، جدة، الطبعة الثانية، 1413ه، 1992م،
[22] انظر: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، 1384ه، 1964م، (8/293).
[23] الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420ه، (11/194).
[24] البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير، رقم (2843)، (4/27). ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، رقم (1507)، (3/1506).
[25] انظر: الجصاص، أحكام القرآن، (4/311).
[26] انظر: الجصاص، أحكام القرآن، (4/313).
[27] البخاري، وقد تقدم.
[28] انظر: الجصاص، أحكام القرآن، (4/314).
[29] القرضاوي، يوسف، فقه الجهاد، (325_327).
[30] البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخّر، رقم (2965)، (4/51). ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر، رقم (1742)، (3/1362).
[31] أبو داود، كتاب الملاحم، باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة، رقم (4302)، (6/358). والنسائي، كتاب الجهاد، باب غزوة الترك والحبشة، رقم (3176)، (6/43).
[32] انظر: الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1402ه، (1/268_269).
[33] انظر: السرخسي، محمد بن أحمد، أصول السرخسي، لجنة إحياء المعارف النعمانية، الهند، 1431ه، (2/13).
[34] انظر: ابن الفرس، عبد المنعم بن عبد الرحيم، أحكام القرآن، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1427ه، 2006م، (1/222).
[35] انظر: الجصاص، أحكام القرآن، (3/190). وابن العربي، أحكام القرآن، (1/593).
[36] انظر: الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (8/19).
[37] انظر: المرجع السابق (14/40_42).
[38] انظر: الجصاص، أحكام القرآن، (4/254).
[39] سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة التاسعة، 1400ه، 1980م، (3/1738).
[40] البخاري، كتاب الأدب، باب صلة المرأة أمها ولها زوج، الحديث (5979)، (8/4). ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، رقم (1003)، (2/696).
[41] انظر: الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (23/322).
[42] البيهقي، أحمد بن الحسين، أحكام القرآن، دار الذخائر، الطبعة الأولى، 1439ه، 2018م، (277).
[43] البخاري، كتاب التمني، باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة، رقم (7227)، (9/82).
[44] انظر: المازري، محمد بن علي، المُعلم بفوائد مسلم، الدار التونسية للنشر، الجزائر، الطبعة الثانية، 1988م، (3/9). والمناوي، زين الدين عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطعبة الأولى، 1356ه، (6/388).
[45] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، دار هجر، الطبعة الأولى، 1418ه، 1997م، (17/281).
[46] السندي، محمد بن عبد الهادي، فتح الودود في شرح سنن أبي داود، مكتبة أضواء المنار، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1431ه، 2010م، (4/237).
[47] البخاري، كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، رقم (3159)، (4/97).
[48] الجابية: موضع في دمشق، وكان يطلق على موضع دمشق قبل بناءها: الجابية. انظر: الشريف الإدريسي، محمد بن محمد، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1409ه، (1/368).
[49] أبو القاسم المصري، عبد الرحمن بن عبد الله، فتوح مصر والمغرب، مكتبة الثقافة الدينية، 1415ه، (77).