المقالاتمختارات إيمانية

نحو تصحيح المقاصد في العبادات والعادات.

إن مما يجعل المكلف يتخذ طريقا ما في الحياة، دون غيره؛ هي تلك الدوافع الداخلية والخارجية والمجتمعية، والمثيرات -كل مكونات الحياة الإنسانية المادية والروحية- بأنواعها، فإذا حصل التفاعل بين تلك المثيرات والدوافع؛ أنتج ذلك التفاعل استجابات سلوكية؛ أظهرت توجه صاحبها، فنرى هذا مشى في طريق العلم، وآخر في العبادة، وآخر في التجارة، وذاك في حرفة ما، وهكذا.

وقد لا يدرك الكثيرون بأن هذه الدوافع الداخلية لأي من الناس؛ إنما هي إيداعات ومواهب الحق سبحانه وتعالى، أودعها في النفوس؛ لتظهر الحكمة في إحداث هذا التوازن العجيب في مناحي الحياة المختلفة، المفتقر كل منها إلى النواحي الأخرى.

ولولا تلك الدوافع والرغبات والميول المودعة؛ لما كانت الاستجابات لأي من المثيرات، ولما اهتم الناس بتحقيق أهدافهم، فلم نر موظفا مكث في عمله سنوات طويلة، ولا عالما انكب على كتبه وكراريسه وجالس طلابه دهرا، ولا ماهرا في حرفة متعبة يجد لذة الحياة معها!.

فإذا كان ذلك كذلك؛ أدرك العاقل أن دائرة الامتحان بالنسبة له في هذه الدنيا إذا أراد تحقيق ذاته؛ أن يقوم بدوره الذي أقامه المولى عليه بما يرتضيه؛ فهو عنئذ على الطريق، وإلا فلا.
فمن الآفات في طلب العلم، التعلق بالشهادة، والإجازة، والشهرة، والتحاسد، والتعالي على الخلق، وإنما المقصود التعبد، وخدمة المولى وخلقه، ونشر النور، والعلم والمعرفة؛ التي من شأنها عمارة دنيا الناس وآخرتهم.

ولا المقصود من سلوك العبادة الركون إلى الرؤى والأحلام والكرامات وخرق العوائد؛ لأنها إن صحت؛ فإنما هي زاد في الطريق الى القريب المجيب، تبشر وتثبت وتحذر، بعد عرضها على ضوابط الشريعة، قال ابن عطاء: أنت عبد لما أنت له طامع، وهو لا يرضى بأن تكون لغيره عبدا!، وإنما المقصود الانضباط عند الأمر والنهي، فإن الاشتغال بغير المقصود؛ إعراض عن المقصود!.

ولا المقصود من الأعمال والحرف والتجارات؛ المكر والخداع والصراعات والنفاسة ولغة الغاب والغلبة؛ التي لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، وإنما المقصود عمارة الأرض التي استخلفهم فيها مولاهم؛ من تعمير، وتشغيل وتفعيل، وتنظيم، وإنتاج، وتكافل، وتعاون وتكامل.
فاللهم لا تجعل نصيبنا من الخير الكلام، وحققنا بحقائق الإيمان، وزينا بتيجان أهل العرفان.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى