مختارات أدبية وعلمية

ما نحن فيه ليس جديدا !!

إن عجلة الحضارات لا تنفك عن ثلاثة أطوار تمر بها؛ هي
مرحلة التقدم والتألق والانتشار بين الأمم؛ حينما يكون الإنسان والأشياء في خدمة القيم، ومرحلة التوقف والتراجع والتأخر؛ عندما تكون القيم والأشياء في خدمة الإنسان، ومرحلة الاحتضار والتلاشي والموت؛ عندما يكون الإنسان والقيم في خدمة الأشياء، على ما ذكر معناه ماجد عرسان الكيلاني.

ففي المرحلة الأولى لما كان هم الأمة في صدر الرسالة إعلاء كلمة الله وكانت تلك القلوب الطاهرة المسرجة والمتقدة بنور اليقين والقرب والمعرفة بالله بتغذية رسول الله والقران والذكر، وحمل هم الدعوة والرسالة والأمانة إلى بقاع الأرض، وكانت الأرواح والأموال والأولاد نساء ورجالا يتسابقون للتضحية بكل شيء لتكون كلمة الله هي العليا؛ كان الله معهم بالتوفيق والسداد، والمدد بالملائكة حتى انهم بفترة قياسية فتحوا اكبر امبراطورية عرفها التاريخ، نشروا فيها الدين والعلم والثقافة والحضارة، وتأسست مدارس الحديث والفقه والرواية والتفسير واللغة والطب والفلك والهيئة وغيرها.

وفي المرحلة الثانية عندما استقرت المذاهب الفقهية والكلامية ودخلت الفلسفة، والمذاهب المتولدة بسبب السياسة؛ بدأت تظهر توجهات التعصب المذهبي وتقاتل الحنابة والشافعية في بغداد، واغلقت المدرسة النظامية مدة، وتقاتل السنة والشيعة، كما ذكر ابن خلدون، وظهرت النعرات المناطقية، كما شهدت هذه المرحلة رواجا كبيرا للشعراء وكتاب التاريخ والعلماء الذين يزينون ويضخمون مؤلفاتهم بالمحتوى العلمي والأدبي والفني والتذهيب والزخرفة؛ لتنال رضا الأمراء والخلفاء وتزيد عطاياهم!!.

وفي المرحلة الثالثة عندما ترك القادة الإعداد الروحي والعسكري وانشغلوا بالحمام والقرود والجواري والشراب والشهوات، وظهور ملوك الطوائف والكانتونات، الذين يتآمر بعضهم على بعض، ودب الضعف في حاضرة الخلافة حتى قال احد العلماء إنه من يأتي بغداد عليه التصدق كل يوم؛ كفارة لما يشاهد فيها!! وانتشرت القيان والمعازف، حتى انقلبت القلوب إلى خراب وصدأت النفوس المليئة بالوهن وحب الدنيا والاملاك والمتع، فدخل المغول على الخليفة وهو يلعب بالحمام او القرود!!!، والجيش مهترئ وينتظر أحدهم حتفه رغما عنه دون مفر!!، والخليفة عنده جبل من ذهب، فقالوا له: لو أعطيتهم من هذا ليدافعوا عنك، فأخذوها وقتلوه!!

ولكن صلاح الدين لما اراد فتح بيت المقدس كان العلماء والدعاة والمصلحون في المقدمة، وكان الجند رهبانا في الليل فرسانا في النهار؛ حتى أعادوا ثالث الحرمين الشريفين!!
من هذه الثلاثية نرى اليوم واقعنا من أولويات التقدم، ومن رسالتنا وبوصلتنا، ومن إعدادنا العلمي والروحي والوعي وموقعنا بين الأمم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى