سألني أحد الاخـــوة من أهل الفضل والعلم والخير سؤالًا عن الحب في الله والبغض في الله،؟ وهل ممكن شرعا و عرفا وعقلاً أن يوجهان لشخص واحد؟ وكيف يجوز أن أن نتجاوز من فيه صفات سلبية من وجة نظرنا ونقبل منه باقي الصفات الحميدة.؟؟ ومتى تكون هذه القاعدة غير سارية المفعول؟
أقــــول وبالله التــــوفيــق والســداد:
أولـــــًا:معنى الحب في الله فيما أفهم له مدلولات: منها: حبُّ جميع المخلوقات والمكونات بصورة عامَّة هو الأصل؛ لأنَّه صنع المولى تبارك وتعالى، (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، وقال عن المكونات: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ).
وأما البغض في الله هو معاداة ما أمرنا بمعاداته، قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
فالمؤمن العاقل صاحب القلب والبصيرة هو الذي يشهد صنع الله في كل شيء مما يحيط به من المكونات، ويسبح الله كلما رأى إتساق الصنع وهندسة وإبداع النظام في خلقه وخلق ما حوله، وكلما زاد علما زاد قربا من خالقه وإيمانا به، وكان حبه في كل ما خلق المولى تعالى حب وسيلة لا حب غاية، فمن أحب شيئا لذاته حجبه عن مقصوده (أنت عبد لما أنت له طامع وهو لا يرضى بأن تكون لغيره عبدًا) كما قال ابن عطاء الله؛ لأنه دليل عليه، لا حجاب عنه، كما عادة المؤمن في الحب أن لا يُحجب بالعادة بل يزداد بها إيمانًا، كالجوع والحاجة الى الطعام في اليوم كذا مرة، وشروق الشمس وغروبها كل يوم بمواقت معينة، وهندسة الليل والنهار التي يشهدها كل يوم هذا كله لأولى الابصار والنهى دواعي زيادة في الحب في لله يشهده في كل ما خلق الله، خلا ما حرم وأمر بمعاداته، لما يعود على المؤمن من أذاه.
يعنــــي: هنا محبة مطلقة لا تزول، وعداوة للشيطان لا تزول.
ثانـــيًا: الحب والبغض في الله بالنسبة للتعامل مع المكلفين من المؤمنين الذي سخر الله لهم ما في السموات ومافي الارض، هو حب وبغض ليس مطلقًا؛ لأن الإنسان معرض في يومه وليلته لابتلاءات واختبارات جسام، وقد ينجح في تخطيها، وقد يعثر، وبعد ذلك يستأنف المسير إلى ربه، فحب المؤمنين لرسول الله محبة مطلقة لأنه معصوم عن الهوى والنفس والشيطان والشهوات، أما غيره فغير معصوم، وما دون حضرته الشريفه معرض لما ذكرنا من الأعداء، فنحب المؤمنين محبة عامة ونكره الكافرين كرها عامَّا.
ثالــــثًا: ونتعامل مع المؤمن من أصحاب الشائبتين الذين جمعوا بين الإيمان والمعاصي بحبنا لإيمانه وصفاته الحميدة وبغضنا لصفاته الغير المحمودة، فإن تغيرت هذه الصفات الكريهة وأستبدلت تغيرت الكراهية إلى الحب الذي هو الأصل في المؤمن، وهذا ما أسسة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله فيما رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) والفرك هنا البغض.
وهنا مـــــــــسألــــــة تطـــــــــــرح، هل يجوز أن نحب أفعال وخصال ومعاني الخير التي يتحلى بها الكافر ويمتاز بها، كإعجابنا بنفس الصفات من المؤمنين؟
يستفاد من عموم قوله: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم)، وفي قوله: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا) وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ). هذا لا يفهم منه إلا طهارة الصفات القائمة بالإيمان وديمتوتها بالإيمان من قبل المؤمن والتي يزداد بها علوا ورفعة ومكانة في الدنيا والاخرة، ونفس الصفات التي نراها عند الكفار التي لا تقوم إلا على أساس المصالح الدنيوية والاخلاق الانسانية التي لا يرجى الله من ورائها وليس هو وراء القصد منها.
ولكن هذا لا يعني أن يترك المؤمن من أي صفة من الخير يراها في غير المؤمنين أنه هو الأولى بها وعليه الرجوع إليها.
ربـــــــــعًا: تكون القاعدة غير سارية المفعول بالنسبة للمؤمنين مع بعضهم في حالة الردة عن الإسلام؛ لأنه مادام في دائرة الإسلام فهو معرض للصواب والخطأ، ولا ذنب بعد الكفر.
أما مسألة كيفية التعامل مع المؤمنين أصحاب الشائبتين هؤلاء، فهو لا ينبغي أن يكون تعاملا كليا في كل مناحي الحياة، فهناك مؤمن من هؤلاء الذي لم تحصل لهم الاستقامة من يستفاد من علمه ولا يصحب في سفر، وآخر مؤمن فيه حمق لا يحفظ السر، وآخر مؤمن فيه خلق النميمة لا يصلح في الاصلاح في ذات البين، وهكذا مع باقي المؤمنين من أصحاب الشائبتين، فيهم من جوانب الخير التي يمكن التعامل معهم فيها، وفيهم من جوانب الشر التي ينبغي الابتعاد عنها.
وفي الختـــام أرى الحكمة في ذلك من وجود الخير والشر، والابتلاء والرخاء، والأفراح والأتراح، والمعاصي والذنوب، وفعل الخير والعمل الصالح؛ حتى يميز الله الخبيث من الطيب، وليبلونا أينا أحسن عملا، (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون).
وكذا ليبقى التواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (إن الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وكذا ليعلم المؤمن أنه في تقلباته هاته عليه أن يبقى مع ربه القاهر فوق عباده، فكل شيء في حالة تغير وزوال لا محالة، ولن يبقى إلا هو سبحانه ذو الجلال والإكرام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس بعدد ماوسعه علم الله.