إذا كان التصوف ينقسم من حيث الموضوع الى تصوف (العوام الشعبي، والتصوف الإشراقي الفلسفي، وتصوف المدارس العلمية أو التصوف السني)، فما الذي ينبغي ان يكون منهجا للتربية يستفاد منه من هذه المدارس؟
أولا: إن التصوف الشعبي: هو الذي يمارسه العوام من غير ضوابط وتشرع، فهو مزيج بين الخير والشر، بين الاتباع والابتداع بين الحب والتخليط، وفي بعض البلاد فيه من المنكرات الواضحات التي لا يختلف عليها إنس ولا جان، وقد يتصدر فيه بعض المحبين الذاكرين الجهلة باساسيات الشريعة، وهذا لا يجوز في التربية ولا في الإرشاد ولا في اتخاذ القدوة، فلا يستطيع قيادة السفينة بالناس إلا ربان مبصر!!.
ثانيا: التصوف الفلسفي: وليس هو مدرسة واحدة، بل هو مشارب ومدارس:
ففيه ما هو تصوف فلسفي بحت على طريقة الفلاسفة كتصوف ابن سينا، وهذا محله التخصص الأكاديمي والاطلاع الثقافي الخاص.
وفيه ما قد تأثر واستعمل المصطحات الفلسفية التي دخلت على عدد من علوم الإسلام، ولكنهم اسلموها وأضفوا عليها معاني التوحيد الإيمانية الإسلامية، والتي تحتاج إلى معرفة بعلوم أصحابها.
وفي هذه المدارس كثير من الموضوعات والمعاني تم دسها على أصحابها وظاهرها الكفر، والتي تشوش على السالك قلبه وفكره، والتي محلها الرد، أوالتمحيص، والتحرير والتحقيق، فلا تصلح للنظر فيها لأي أحد.
وفيها بحوث ومسائل أقامها أصحابها على الرمز والأشارة، والمجاز الذي يقبل التأويل.
كما أن فيها بحوثا ومسائل من المعاني والمعارف العالية التي لا تخالف الشريعة، ولكن أبحاثها تحتاج إلى شفافية وصفاء وجلاء وفتح روحي ونفسي ومعرفة بمصطحات أصحابها، ومعانيها وفتوحها وحقائقها في عالم المثال، لأن أصحابها دونوها أثناء تلك الفتوح مما أفاض عليهم الوهاب من رشفات الغيوب، فهذه مستغلقات إلا أصحاب هذه الطبقة، ومن لا يقنع بهذا الكلام، فلا يقربن هذه الكتب؛ خير له من الوقيعة بأعراض أصحابها!!
ثالثا: التصوف السني، او تصوف المدارس العلمية الشرعية، وهو تصوف الحسن البصري والسري السقطي، والجنيد، والثوري، والشافعي، والشبلي، والقطب الكيلاني، والرفاعي والشاذلي، ومئآت من العلماء والاولياء ممن جمعوا بين الحقيقة والشريعة والفوا وأسسوا لمناهج التربية القائمة على طلب العلم اولا، ثم مجاهدة النفس والرياضات والخلوات والذكر، وصحبه الشيخ الطبيب المربي، ومدارسه ممتدة إلى اليوم في أغلب بلاد المسلمين.
وليس كل أعيان هذه المدرسة طبقة واحدة، ففيهم من فتح له في علوم الشريعة ومقاصدها كالعز بن عبد السلام، ومنهم من الف في علوم الشريعة والتربية كالحارث المحاسبي، والكلاباذي والامام الغزالي، والكيلاني والمالقي وغيرهم كثير، ومنهم من فتح له والف في المعاني، وبعضهم في الحكم وقواعد التصوف كابن عطاء، وزروق، والحديث يطول.
فلهذا تكون مدرسة، التصوف السني هي التي نحتاجها في العملية التربوية، فيستفيد منها العوام وطلبة العلم والعلماء، في السير إلى الله تعالى؛ لأنها مؤسسة على قواعد ومناهج واضحة مستقرة منضبطة بالشريعة، وتدور في فلكها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.